اقتصاد

لماذا لم تنجح مصر في فرملة “السوق السوداء”؟.. فوضى الصرف تفتح الباب لـ”سعر جديد”

شهدت مصر خلال الفترة الماضية أزمة نقص حادة للعملة الصعبة تسببت في ظهور “سوق سوداء” لبيع الدولار تضاهي تلك الرسمية عبر البنوك والصرافات، بينما يتحدث خبراء اقتصاديين لموقع “الحرة” عن أسباب انتعاش تلك السوق الموازية ولماذا لم تنجح الإجراءات الحكومية في كبح جماحها.

الخميس، أعلن البنك المركزي المصري، أسعار الفائدة لأجل ليلة واحدة 200 نقطة أساس عقب اجتماع للجنة السياسة النقدية، وحدد سعر فائدة الإقراض عند 19.25 بالمئة وفائدة الإيداع عند 18.25 بالمئة.

وقال المركزي المصري إنه يسعى لإبقاء التضخم تحت السيطرة.

وفي فبراير، قفز المعدل السنوي للتضخم في المدن إلى أعلى مستوى في خمسة أعوام ونصف ليبلغ 31.9 بالمئة مقارنة مع 25.8 بالمئة في يناير.

وفي فبراير، ارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي لمستوى قياسي عند 40.3 بالمئة.

وعزا بيان المركزي المصري ارتفاع التضخم إلى اختلالات سلاسل الامداد محليا، وتقلبات سعر صرف الجنيه المصري، بالإضافة إلى ضغوط من جانب الطلب، وفقا لـ”رويترز”.

لكن على عكس التوقعات لم يخفض البنك المركزي سعر صرف الجنيه.

صراع السوق الرسمية والسوداء؟
خفضت مصر قيمة عملتها بشكل حاد ثلاث مرات منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنذ مارس 2022، انخفض سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري بنحو نصف قيمته.

يدير البنك المركزي العملة في نطاق ضيق ظل دون تغيير فعليا عند نحو 30.80 إلى 30.90 للدولار منذ ثلاثة أسابيع، مقابل 15,6 في مارس 2022، وفقا لـ”فرانس برس”.

ومع كل تخفيض لقيمة العملة، كان البنك المركزي يسعى بعد ذلك إلى الحفاظ على استقرار الجنيه، غير أنه سرعان ما تتجاوز السوق السوداء والعقود الآجلة غير القابلة للتسليم السعر الجديد.

وسعر الصرف الحالي للعملة المصرية يكاد يكون “غير حقيقي” فالقيمة الفعلية للجنيه تتراوح ما بين 35 و36 جنيها أمام الدولار في السوق السوداء.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يعتقد الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، أن بعض أجهزة الدولة في مصر “تستفيد من وجود السوق السوداء”.

وتظهر السوق السوداء استمرار أزمة حادة في نقص النقد الأجنبي، وتروج تلك السوق لفكرة “تخفيض قيمة الجنيه” قبل اتخاذ القرار بشكل رسمي، وفقا لحديث عبدالمطلب.

ويرى أن الدولة “تسمح بنمو السوق الموازية” لقياس ردود فعل الشعب المصري على مسألة تخفيض قيمه العملة الوطنية.

ويستشهد في حديثه بتمكن الدولة سابقا من “القضاء” على السوق السوداء عند ظهورها في الفترة من 2015 إلى 2017، وكذلك نجاحها في “الوقف التام” لهذا النشاط في أغسطس 2022.

وحجم السوق السوداء الحالي “ضئيل جدا” بالمقارنة بحجم نشاطها خلال السنوات السابقة، ويمكن للدولة حصر النشاط والقضاء عليه بسهولة، لكنها “لا تفعل ذلك”، وفقا للخبير الاقتصادي.

ويقول “الدولة تسمح في بعض الأوقات بعمل السوق السوداء كأداة لقياس الرأي العام حول بعض القرارات”، مؤكدا أن “القرار المنتظر هو تخفيض جديد لقيمة الجنيه”.

من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد أنيس، أن التحريك الأخير لسعر صرف الدولار في يناير الماضي، قد أدى لسد الفجوة السعرية بين السوق الرسمية والسوداء.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يقول إن هذا التحريك جعل سعر صرف الدولار يتراوح بين 30 إلى 32 جنيه، ما قلل “التدفقات الدولارية على السوق الموازية وزيادتها بالقطاع المصرفي الرسمي”.

ولم يتم القضاء على السوق السوداء بشكل كامل لكن “الوضع تحسن” مقارنة بعام 2022، وفق أنيس.

ويرى أن “السوق السوداء” قد تستخدم كأداة لمعرفة توجهات الرأي العام، لكنه ينفي طرح “ترك الدولة لها بشكل عمدي”.

ولذلك يتحدث أنيس عن تداعيات سلبية كبيرة وضخمة على وجود سعرين للدولار ومنها:

انخفاض التحويلات الرسمية للمصريين في الخارج وخروجها من القطاع المصرفي إلى السوق السوداء
عدم وجود تدفقات استثمار أجنبي مباشر
ماذا عن المصريين بالخارج؟
يوجد ملايين المصريين في الخارج يرسلون قرابة 30 مليار دولار الى البلاد كل عام، وتشكل هذه التحويلات مصدرا أساسيا للنقد الأجنبي في مصر.

ومنذ أغسطس الماضي، يخشى المصريين في الخارج من اتجاه الجنيه إلى مزيد من الضعف أو التخفيض، لذلك فهم إما يحتفظون بما يجنونه من دولار أو يستخدمون تجار السوق السوداء لإرسال الأموال إلى مصر، وفقا لعبدالنبي.

ويعتقد المصريين في الخارج أن “السعر الحالي للجنيه” مقوم بأقل من قيمته بحوالي ٣٠ بالمئة، وفي ظل “عدم وجود ثقة في التصريحات الحكومية” يتريث حامل الدولار في تحويله للعملة المصرية، حسب عبد المطلب.

ويقول “هذا التخوف الناتج عن عدم الشفافية الحكومية يشجع الباحثين عن الأرباح على اقتناص الدولار من المصريين في الخارج وتحويلها لذويهم، ما ينشط السوق السوداء”.

من جهته يقول أنيس إن تحويلات المصريين في الخارج خلال الربع الأخير من عام 2022، انخفضت بنسبة تصل إلى 16 بالمئة، في مؤشر على “تدفق دولارية من خارج القطاع المصرفي” نظرا لفروقات الأسعار بين السوقي الرسمي والسوداء.

وفي تلك المرحلة كان سعر الدولار الرسمي يتراوح بين 18 إلى 20 جنيها، بينما يبلغ سعره 30 تقريبا في السوق السوداء، وبعد تحريك السعر في بداية يناير، ستعود تدفقات المصريين في الخارج لـ”القطاع المصرفي مرة أخرى”، حسب أنيس.

هل تستمر الأزمة؟
يعتقد عبدالمطلب أن أزمة نقص السيولة سوف تظل مستمرة، ويقول “ربما يساهم صرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي في التخفيف من حدتها”.

وفي أكتوبر الماضي، اتفقت مصر على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، وفي إطار هذا الاتفاق، تعهدت القاهرة أيضا “بتحول دائم إلى سعر صرف مرن” لم يتحقق بعد.

ويشير عبدالمطلب لتوقيع مصر اتفاقيات تمويل مستمر ومتصل للمشاريع، منها مليار دولار سيتم تقديمها خلال هذا العام، ما قد “يقلل من حدة الأزمة”.

وفي 22 مارس، أعلن البنك الدولي أنه وافق على شراكة استراتيجية جديدة مع مصر للسنوات من 2023 إلى 2027 بتمويل قدره سبعة مليارات دولار مع التركيز على خلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص ودعم تقديم خدمات صحية وتعليمية أفضل ودعم تدابير التكيف مع تغير المناخ.

وقال البنك في بيان إن الاتفاق يتضمن تقديم مليار دولار سنويا من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وحوالي ملياري دولار خلال فترة الشراكة بأكملها من مؤسسة التمويل الدولية، وفقا لـ”رويترز”.

ويرى عبدالمطلب أن الفترة حتى 15 أبريل ستكون “حاسمة” فيما يخص “أزمة النقد الأجنبي”.

ويقول عبدالمطلب “إذا قبل صندوق النقد الدولي التقرير المصري وبدأ في الإفراج عن الشريحة الثانية من القرض، وضغط على الشركاء الدوليين لزيادة تدفقات العملة الصعبة لمصر ربما تحدث انفراجة”.

من جانبه يتحدث أنيس عن الحاجة الفورية لـ”اجتذاب استثمار أجنبي مباشر، وبيع بعض حصص الشركات المصرية لصناديق خليجية”، بهدف غلق الفجوة الدولارية.

وفي وقت متزامن يجب اجتذاب استثمار أجنبي مباشر “يستهدف التصدير”، وعن طريق إيرادات تلك المشاريع يمكن “أغلاق الفجوة في الميزان التجاري” كحل مستدام، وفقا لحديث أنيس.

سعر الجنيه الحقيقي؟
يتوقع عبدالمطلب ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وخلال الفترة من أبريل إلي يونيو قد يصل يتخطى الدولار حاجز 40 جنيها.

ويشير عبدالمطلب إلى إمكانية تراوح سعر صرف الدولار إلى ما بين 39 جنيه إلى 42 جنيه.

من جانبه يرى أنيس أن السعر التوازني للدولار والذي يعادل بين العرض والطلب في السوق يبلغ ما بين 30 إلى 32 جنيه.

ويمكن أن يستمر هذا السعر في حال عدم وجود “فجوة بين العرض والطلب”، حسب أنيس.

وفي حال وجود فجوة يمكن أن يصل سعر الدولار ما بين 34 إلى 35 جنيه، وفقا لأنيس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى