دولي

قطاع غزة: لماذا ترفض مصر فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين وهل يلوح شبح “نكبة ثانية” في الأفق؟

يعيش سكان غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول ويلات حرب عصيبة قتل فيها نحو 3000 فلسطيني، تبقى أنظار العالم موجهة نحو معبر رفح، على الحدود مع مصر، وهو نقطة العبور الوحيدة لإجلاء فلسطينيي القطاع إلى دولة أخرى. من جهتها، تريد القاهرة إرسال مساعدات إنسانية لكنها ليست مستعدة لاستقبال اللاجئين من غزة. يحدث هذا، في ظل مخاوف متزايدة من أن يكون نزوح الغزيين إلى جنوب القطاع بداية “نكبة ثانية” كما وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
احتشد مئات الفلسطينيين في جنوب قطاع غزة على أمل فتح معبر رفح للسماح لهم بالعبور نحو مصر، فارين من الحرب الدامية بين حماس وإسرائيل التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لكن يظل المعبر الحدودي مع مصر، وهو أحد المنافذ القليلة للخروج من القطاع، مغلقا إلى حد الساعة.

ويذكر أن هناك معبرين آخرين للدخول إلى قطاع غزة أو الخروج منه : إيريز في الشمال، على الحدود مع إسرائيل، وكرم أبو سالم (كيرم شالوم)، بالقرب من الحدود المصرية، وهما معبران مخصصان لمرور البضائع.

في الأثناء، وعلى الجانب المصري من رفح، تبقى المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك المساعدات التي أرسلتها منظمة الصحة العالمية في انتظار الضوء الأخضر. فهي ممنوعة من العبور إلى سيناء المصرية، لعدم وجود اتفاق بين إسرائيل ومصر.

هذا، وكان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أحمد المنظري قد حذر الاثنين من أنه “لم يتبق سوى 24 ساعة قبل نفاد الماء والكهرباء والوقود” في غزة، وإذا لم تصل المساعدات، فلن يسع الأطباء سوى “إعداد شهادات الوفاة”.

وفي السياق، أوضح يوهان صوفي، الرئيس السابق لمكتب الشؤون القانونية في وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لفرانس24 قائلا، من أجل فتح معبر رفح “نحتاج إلى تدخل دبلوماسي، واتفاق بين الطرفين…ويتطلب الأمر الضغط على المجتمع الدولي برمته، وعلى السلطات الفرنسية، وعلى الاتحاد الأوروبي وعلى كافة الأطراف لكي يتم، على الأقل، التوصل إلى اتفاق لإنشاء ممر إنساني إلى غزة”، على حد تعبيره.

ما يعني أن مصر لا تستطيع أن تقرر فتح حدودها مع إسرائيل بمفردها. خاصة أنها تعرضت للقصف عدة مرات منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

هذا، وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد شدد، بحضور نظيرته الفرنسية كاترين كولونا في القاهرة الاثنين، على أنه أصبح من الملح فتح هذا الممر الإنساني عبر معبر رفح الحدودي.

وبدورها، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية، إن “أولئك الذين يريدون مغادرة غزة يجب أن يكونوا قادرين على القيام بذلك”. وأضافت “نطلب من الجميع توفير إمكانية فتح نقاط العبور”.

لكن سامح شكري حمّل إسرائيل مسؤولية إغلاق المعبر قائلا إنها “لم تعط أي إشارة لحد الآن”.

مصر “عاجزة” عن تحمل المسؤولية بمفردها

وأوضح نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) بباريس، ديدييه بيليون أن “مصر لا تريد أن تكون الدولة الوحيدة التي يقع على عاتقها هذا الوضع الإنساني الكارثي. ستكون مستعدة للمشاركة في عملية إنسانية إذا لزم الأمر، لكنها ليست مستعدة وعاجزة عن القيام بذلك بمفردها، نظرا لوضعها الاقتصادي المتدهور للغاية”.

وأضاف “إنهم غير قادرين على تحمل صدمة هذا الكم الهائل من التدفق البشري المحتمل”.

ومن جهتها، دعت القاهرة إلى حل دبلوماسي كما أنها حثت الطرفين المتنازعين على ضبط النفس، وفي الوقت ذاته، عارضت فكرة السماح للفلسطينيين الفارّين من الحرب دخول أراضيها، إذ طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من سكان غزة الخميس “البقاء في أراضيهم”، وذلك على الرغم من الدعوات المتزايدة التي تطلب منه السماح للمدنيين بالمرور الآمن من قطاع غزة.

أما حركة حماس، فقد قالت على لسان زعيمها إسماعيل هنية السبت الماضي إنها ترفض “تهجير” الفلسطينيين، متهمة إسرائيل بارتكاب “جرائم حرب” في غزة. غير أن إسرائيل ألقت بالمسؤولية على عاتق حركة حماس، متهمة إياها باستخدام المدنيين كدروع بشرية.

طرد الفلسطينيين.. “فكرة محكمة بالفشل ونحن لا نؤيدها”

ومع دعوة إسرائيل لأكثر من مليون من سكان غزة إلى مغادرة شمال القطاع، ما يشير إلى تمهيدها لغزو بري، اقترح بعض السياسيين الإسرائيليين طرد الفلسطينيين إلى مصر المجاورة.

وهو الأمر الذي رفضه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بشكل قاطع، قائلا إنه يجب أن يكونوا قادرين على البقاء في موطنهم بينما تقاتل إسرائيل حركة حماس.

وقال بلينكن الأحد الماضي في القاهرة “سمعت مباشرة من رئيس السلطة الفلسطينية (محمود) عباس وتقريبا كل الزعماء الآخرين الذين تحدثت معهم في المنطقة أن هذه الفكرة محكومة بالفشل، ولذا نحن لا نؤيدها”.

وأضاف “نعتقد أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على البقاء في غزة، موطنهم. ولكننا نريد أيضا التأكد أنهم خارج دائرة الخطر ويحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها”.

كما ركز بلينكن على قضية المساعدات الإنسانية إذ قام بتعيين الدبلوماسي الأمريكي المخضرم والخبير في الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد موفدا للمساعدات إلى غزة.

“إن لم نكن أمام نكبة كبرى، فعلى الأقل نكبة صغرى”

ويرى خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية أن موقف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن “يمثل نجاحا دبلوماسيا عربيا… معللا ذلك بأن “هناك تناغما بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله وولي العهد السعودي محمد بن سلمان… وقد أدى ضغطهم إلى هذا التصريح”.
هذا، وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني أيالون قد دعا مصر إلى التعاون وإقامة خيام للفلسطينيين في سيناء، معتبرا أن هناك “مساحة لا نهاية لها” هناك.

وعلى الرغم من رفض مصر للفكرة، يبقى “الاحتمال واردا ويزيد من تعقيد الوضع”، بحسب خطار أبو دياب الذي يقول إن “الشعب الفلسطيني الذي يعيش معاناة مفتوحة ومتواصلة منذ 1948 استخلص الدروس مما جرى”.

وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في وقت سابق خلال لقائه بلينكن “رفضه الكامل” لتهجير السكان من غزة، محذرا من “نكبة ثانية”.

ويلخص الوضع خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية، قائلا “لا يمكن أن نفكر بأن هذا الإنسان الفلسطيني خارق وأنه يمكن أن يتحمل هذا القصف المستمر وهذه الاستباحة المتواصلة… مشددا على أن “هناك إصرارا فلسطينيا على البقاء في الأرض ولكن تبقى المسألة نسبية.. ولذلك إذا دامت هذه الحرب كثيرا وزاد الضغط على المدنيين يمكن، إن لم نكن أمام نكبة كبرى، فعلى الأقل أن نكون أمام نكبة صغرى…”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى