مجتمع

” الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية “

رئيس تحرير اليوم السابع

“اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، هذه العبارة شائعة الاستعمال والتي لا أدري من صاغها في البدء ولا كيف عممت لتصبح واحدة من أهم العبارات وأشهرها في العصر الحديث بين فئات المتبادلين رأيا. يقولها البعض أحيانا وهم متوجسين خائفين من إغضاب الآخرين ممن اختلفوا معهم في الرأي، خاصة إن كان هؤلاء ممن تربطهم به العلاقة الطيبة. ويقولها آخرون وهم يضمرون بتعمد وإصرار عكسها في نفوسهم، وأفرغها غيرهم من المعنى ورددها بآلية، أو أن يقولها قائل لكبح جماح حالة غضب يراها بين متحاورين، ويبقى دائما من آمن بها وجاهد ليعيش المفهوم حقيقة واقعة.

حالة من الانقسام الحاد والاستقطاب المرضي، أصبحت السمة السائدة بين الناس على مستويات عدة في القرى والمدن، بين أفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف، الجميع أصبح يمارس نوعا من الرذيلة الحوارية، ليصبحوا مجرد قوافل ردود وقذف على كل ما يتحرك لمجرد خلاف في الرأي. وهم بردودهم النمطية قد تعدوا على المنطق السليم، وابتعدوا عن الحوار بمفهومه ومضمونه الذي طالما تمنيناه كثيرا، وبفضل الإعلام الأصفر الكاذب والطابور الخامس الذين لا همٌ لهم إلا خلق الفتن والاحقاد والنخب منزوعة الضمير ساد المجتمع مناخ من الخصومة المريرة والعداء والكراهية الممسوسة شرقا وغربا.

في ثقافتنا فقط يتحول اختلاف الرأي الى عراك كلامي مشحون بالانفعال الذي يقود إلى الإحباط والتشنّج، عن طريق النقد اللاذع أو التهجم على صاحب الرسالة والحط من وجهات نظره وتسفيه أقواله وجرح مشاعره وخدش اعتباره.. اذ نعتقد أننا يجب أن نسحق الجميع حتى لا يبقى غير صوتنا الوحيد.. لقد تربينا على فكرة الانتصار والغلبة والإفحام (وإلقام الآخرين حجرا) وليس على فكرة التعددية والتشارك ومحاولة الفهم والقبول بسلمية التعايش ضمن مجتمع متعدد.. فبمجرد ما ان تختلف مع أحدهم في الرأي تجد أن الخلاف اتخذ شكلا آخر ومنحنى آخر ابتعد عن الموضوعية إلى الشخصنة، فلم يعد خلاف واختلاف بين رأي ورأي، بل أصبح خلافا واختلافا بين شخص وشخص ويتحول الأمر إلى محاول إقصاء الآخر عن طريق إهانته، بل يصل الأمر إلى حد القطيعة والكراهية.

من أكبر الأكاذيب التي نعيشها يومياً أننا نخدع أنفسنا بتكرار عبارة “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية” بينما في الحقيقة والواقع نفسد كل القضايا بالصراع والتجني واستعمال كافة الأسلحة الدنيئة وعدم تقبل حكم الأغلبية والإجماع والاحتفاظ بحبل الود مع الجميع.. فعندما تطرح قضية معينة على طاولة النقاش فلكل منا وجهة نظره أو رأيه أو انطباعه الشخصي حول الموضوع المطروح، أو تلك الحالة أو المسألة التي تناقش، فالاختلاف موجود منذ نشأة الخلق وهو سنة كونية وطبيعة بشرية، حيث لا يمكن جمع الناس على كلمة واحدة أو رأي واحد فلكل منا وجهة نظر أو رأي خاص به، قد يتطابق ويتفق مع الآخرين، أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته، فهو بالأخير يرجع لقناعات شخصية تتمركز في فكر وعقل هذا الشخص، وهذا الشيء ينطبق على جميع المجالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى