دولي

لماذا تخسر الجزائر قضاياها في التحكيم الدولي؟

عاد الحديث مجدداً في الجزائر عن الخسائر المالية التي تكبدتها خزانة الدولة خلال السنوات الأخيرة، بسبب خسارة قضايا تحكيم دولي وحصول شركات أجنبية على عائدات مالية ضخمة.

رفع نواب في البرلمان الجزائري أسئلة إلى الحكومة طالبوها فيها بتقديم تفسيرات حول حجم الأموال التي ضيعتها الجزائر بسبب نزاعات مع شركات استثمارية تجارية أجنبية بعد اللجوء إلى التحكيم الدولي الذي تكون معظم قراراته في غير صالح البلاد.

وإنما طرحه على محكمين للفصل فيه، وما يراه هؤلاء المحكمون من حل للنزاع يلزم المتنازعين باحترامه.

50 نزاعاً دولياً

وجهت الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم بالمجلس الشعبي الوطني استجواباً شفوياً لوزير المالية عزيز فايد، قالت فيه إن “الجزائر خسرت أغلب القضايا وتكبدت ما يفوق 10 مليارات دولار كتعويضات مالية خلال السنوات الأخيرة لصالح شركات أجنبية بسبب كسب هذه الأخيرة لهذه المنازعات بما يقدر بأضعاف في مقابل ما كسبناه في هذه القضايا للأسف الشديد”.

وجاء في وثيقة الاستجواب أن بعض التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 50 نزاعاً دولياً تعد الجزائر طرفاً رئيساً فيها، مطالبة بتبرير حجم الأموال التي تفقدها البلاد باستمرار خلال التحكيم الدولي أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.

ووفق أرقام رسمية خسرت الجزائر قضايا تحكيم بلغت قيمتها في عام 2023 وحده، مما يعادل 1.3 مليار دولار، لصالح شركات استثمارية وأطراف تجارية أجنبية، دخلت في نزاعات تجارية مع الحكومة، في أعقاب تزايد قضايا خسرتها البلاد في هذا السياق، بعضها يعود لفترة حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

الوثيقة ذكرت أن عدد القضايا التي تعد الجزائر طرفاً فيها والمرتبطة بالتحكيم الدولي في مجال المنازعات التجارية والاستثمارية سجل ارتفاعاً خلال السنوات الأخيرة.

تواطؤ وتهاون

ولمح الاستجواب إلى احتمال وجود “تواطؤ من بعض المسؤولين أو غير ذلك” سمح للشركات الأجنبية بكسب القضايا لصالحها، في مقابل تلقي عمولات، وهو تفسير طاول عدداً كبيراً من القضايا التي خسرتها الجزائر في العقد الماضي.

وطالب الاستجواب بالكشف عن “الأسباب الحقيقية وراء تكبد الجزائر خسائر التحكيم الدولي في قضايا كهذه، وتوضيح الإجراءات والحلول التي اتخذتموها للتخفيف من هذه الخسائر”، مشيراً إلى أن “السبب الرئيس في هذه الوضعية هو الرداءة في التسيير وقلة الاستشراف وتهاون بعض المسؤولين”.

إن الأسباب المحتملة لهذه الخسارة قد تشمل سوء إعداد دفاتر الشروط، وإهمال تجسيد الإدارة الصارمة للمشاريع وغيرها، متسائلاً عمن يتحمل مسؤولية ذلك.

وأقر قانون الموازنة التصحيحي لعام 2023، بوجود إخلالات في كيفيات وجودة الصفقات، تسببت في خسارة الجزائر 18.22 مليار دينار، ما يعادل 1.3 مليار دولار خلال عام 2023 في قضايا التحكيم التجاري الدولي.

خسائر هائلة

كشف تقرير عام 2016 عن أن الجزائر خسرت 28 قضية من مجموع 32 قضية تحكيم دولي ومنازعات تجارية رفعت في الخارج، وربحت أربع قضايا فقط، كانت أكبرها تلك التي خسرتها شركة سوناطراك للمحروقات لصالح شركة إديسون الإيطالية دفعت بموجبها أكثر من 300 مليون يورو لصالح الطرف الإيطالي، وقضية شركة كندية فسخ العقد معها لإنجاز المقر المركزي الجديد لشركة الخطوط الجوية الجزائرية.

يقول المحامي الجزائري حسان براهمي إن “التحكيم التجاري الدولي يعد ضمانة وحقاً من حقوق الاستثمار الممنوحة لأي مستثمر أجنبي حتى يتمكن من أن يدخل بأمواله إلى البلاد، وهو أول شرط في أي عقد استثمار أنه يجب أن تخضع النزاعات المستقبلية المحتملة إلى قضاء محايد على مستوى دولي معترف به عالمياً”.

وأضاف براهمي في تصريح صحافي أن “المستثمر الأجنبي يؤكد دائماً على الخضوع للتحكيم في تسوية النزاعات، وهو شرط يتحقق بالعودة للأصول والقوانين والاتفاقات الدولية التي تنظم التحكيم الدولي التي وقعت وصادقت عليها الجزائر مثل اتفاق الأمم المتحدة للاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الدولي أو ما يعرف باتفاق نيويورك الصادر في 1958 والاتفاق الخاص بتسوية الخلافات المتصلة بالاستثمارات بين الدول ورعايا بلدان أخرى الموقعة بواشنطن في 1965، والاتفاق الجزائري الفرنسي الصادر بتاريخ 27 مارس 1983، الذي ينص على حق المتعاملين الاقتصاديين من البلدين في اللجوء إلى التحكيم”.

غياب الوعي

من جهته يقول الخبير الجزائري في التحكيم الدولي فاتح جابي إن السبب الأول وراء خسارة الجزائر لقضايا التحكيم الدولي يرجع لعدم إشراك رجال القانون والمحامين المتخصصين في العقود والصفقات المبرمة بين الدولة الجزائرية والمستثمرين الأجانب.

ويوضح جابي في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن الشركات الأجنبية تشترط اللجوء إلى التحكيم لأنها لا تثق في القوانين المحلية، وبعضها تشترط كتابة بنود التحكيم في أول العقد في حال وقوع نزاع، بينما تطلب أخرى وضع البنود بعد وقوع النزاعات القضائية.

وأرجع المتحدث الأمر إلى غياب الوعي لدى الشركات الاقتصادية الجزائرية بأهمية التحكيم الدولي، مما تسبب في ضياع حقوق هذه الشركات وخسارتها أموالاً كبيرة كان بمقدورها توفيرها لو أولت الموضوع العناية اللازمة.

وكشف عن خسارة 300 شركة جزائرية قضاياها أمام التحكيم الدولي، معيباً عليها عدم وضع الثقة في المحكمين الجزائريين واللجوء إلى مكاتب أجنبية لدى نشوب نزاعات قضائية، وضرورة الرجوع للعقد عند اتخاذ المسير لأي قرار مصيري، لتجنب المصاريف الكبيرة للتحكيم الدولي بسبب القرارات الارتجالية.

ودعا فاتح جابي إلى إشراك المستشارين الجزائريين في التحكيم الدولي لحل النزاعات بين الشركات لأن المحامين، بحسب رأيه، ليست لديهم الخبرة الكافية في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى