آراء العراقيين في صدام
قبل عشرين عاماً، أي قبل سقوط نظام صدام حسين في العراق، كان يستحيل استطلاع آراء العراقيين لفهم أفكارهم ومخاوفهم. تبدّل هذا الواقع اليوم، وبعد عقدين من طي صفحة أساسية في تاريخ العراق، قدم استطلاع حديث أجرته شركة غالوب الدولية فكرة عن آراء العراقيين حول حياتهم ووطنهم.
يشير الاستطلاع إلى أن الكثير من العراقيين يرون أن الحياة كانت أفضل تحت حكم صدام حسين مقارنة بما هي عليه الآن. ومعظم المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن الولايات المتحدة غزت بلدهم لسرقة موارده. أُجري الاستطلاع وجهًا لوجه في جميع محافظات العراق الـ18، وتم استطلاع 2,024 بالغًا في شهر فبراير/شباط 2023.
يمكنم قراءة المزيد حول المنهجية المستخدمة في نهاية المقال.
لا يخفي الدكتور منقذ داغر، الباحث في الشؤون العراقية والمشرف على هذا الاستطلاع، أن ثمة تحديات كثيرة لا تزال تواجه من يقوم بعمل مماثل، إذ يخشى بعض الناس التعبير عن آرائهم خاصةً وسط النفوذ المتزايد للميليشيات. وعلى الرغم من هذه العقبات، يُعتقد أن الاستطلاع هذا يوفر نظرة مهمة على ما يدور في أذهان العراقيين.
نظرة إيجابية إلى الماضي
يميل العراقيون المستطلعة آراؤهم، بما في ذلك الجيل الشاب، إلى رؤية الحياة في زمن صدام حسين بصورة أكثر إيجابية مقارنة بالحياة الآن. عند طرح سؤال حول الوضع الحالي للعراق مقارنةً بالفترة التي تسبق غزو الولايات المتحدة عام 2003، أجاب 60٪ من المشاركين بأنه تدهور، بينما قال 40٪ إنه تحسن. ويبدو أن العراقيين السُنة على وجه الخصوص (54٪) يعتقدون أن الحياة كانت أفضل في عهد صدام.
يوضح الدكتور منقذ داغر أن نتائج الاستطلاعات تتأثر بعوامل مختلفة، مثل الوضع العام خلال فترة إجراء المسح، والطقس، ونسبة تقنين الكهرباء: “أي نوع من التغيير يعطي الناس أملاً في البداية، وكثيرون ينسون كيف كان الوضع سابقاً مع مرور الوقت، سواء تحت نظام صدام أو في السنوات الأولى للغزو “. ويعتقد داغر أن الرؤية المتفائلة للماضي، خاصة تلك التي عبّر عنها أشخاص ليس لديهم تجربة مباشرة مع النظام السابق، تعكس اليأس وعدم الرضا بين الشباب العراق.
خلال جلسة طويلة سعينا خلالها إلى تفنيد نتائج الاستطلاع، أشار الدكتور منقذ إلى أن الانقسام الطائفي بين العراقيين قد انخفض بشكل لافت في الفترة الماضية. ويعتبر أنه في حين كان الشيعة والأكراد أكثر رضا عن سقوط النظام في الماضي، إلّا أن الأرقام تكشف أنهم غير راضين الآن أيضاً، ولكن بدرجة أقل من السُنة.
سرقة الموارد
تقول الولايات المتحدة إنها غزت العراق عام 2003 لامتلاك البلاد “أسلحة دمار شامل” ولأن نظام صدام حسين يشكل تهديداً للأمن العالمي، لكن لم يتم العثور على أي دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل. أسفرت الحرب عن مقتل الآلاف وسيطر على البلاد عدم الاستقرار. على الرغم من تبريرات الولايات المتحدة، يبدو أن العديد من العراقيين المشاركين في الاستطلاع يشككون بالدوافع الحقيقية لخوض الحرب. يعتقد 51٪ منهم أن الولايات المتحدة غزت العراق لسرقة موارده، وهذا الشعور يظهر بشكل خاص في المحافظات الجنوبية الشرقية والأنبار، أي المناطق الغنية بالنفط والغاز. 29٪ من المستطلعين يعتقدون أن الغزو كان للإطاحة بنظام صدام. في حين لم يؤيد سوى القليلين، فكرة أن الحرب استهدفت نشر الديمقراطية ومحاربة ما يوصف بالإرهاب .
فكرة أن الغزو الأمريكي لم يكن في مصلحة العراق ليست غريبة عن الجو العراقيالعام بحسب الدكتور داغر، لكن الأرقام هذه المرة تظهر أن هذا الشعور أصبح أكثر انتشاراً، حتى في مناطق مثل كردستان التي تعتبر موالية للولايات المتحدة، وحيث الآراء من هذا النوع نادرة عادة.
الوجود الأمريكي
تظهر الأرقام انقساماً لدى المستطلعة آراؤهم بشأن مستقبل التدخل الأمريكي في بلدهم، إذ يعتقد 47% من المشاركين أن الولايات المتحدة يجب أن تنسحب من العراق فوراً. هذا الرأي أكثر انتشاراً في جنوبي العراق.
وعلى الرغم من الانطباعات السلبية حول تأثير التحالف على العراق، يرى عدد كبير من المشاركين أن العراق لا يزال بحاجة إلى الولايات المتحدة، خصوصاً في مجال الحفاظ على الأمن.
بحسب الدكتور منقذ داغر السبب وراء التفاوت في الآراء يعود إلى تفضيل كثير من العراقيين، خاصة السُنة والأكراد، لتوازن في القوى يواجه النفوذ الإيراني في البلاد.
التحالفات
تبقى الولايات المتحدة الحليف المفضل في العراق لدى معظم المشاركين في الاستطلاع باستثناء الشيعة منهم، الذين يفضلون روسيا كحليف في السياسة والأمن الداخلي. هذا وتعتبر الصين الحليف المفضل للعراقيين على مستوى الاقتصاد، بحسب الإحصاء.
يرى الدكتور داغر أن اختيار الشيعة العراقيين لروسيا كحليف لهم بدل إيران لافت للانتباه. ويشرح من جهة أخرى أن عدداً كبيراً ممن شملهم الاستطلاع لا ينظرون إلى روسيا والصين على أنهما تهديد لبلدهم: “كثيرون معجبون بالنموذج الصيني لأنه يجمع بين قوة الدولة والنمو الاقتصادي”.
الهجرة
يشير الاستطلاع إلى أن عدداً متزايداً من الشباب العراقي، وخاصة الرجال المقيمين في بغداد، يتصورون مستقبلاً أكثر إشراقاً خارج بلادهم. ومع ذلك أعرب 47٪ من الذين شملهم الاستطلاع عن رغبتهم في البقاء في العراق والسعي من أجل مستقبل أفضل.
قد لا يكون ممكناً اختزال التعقيدات في العراق في إحصاء وبعض الأرقام. وبالنسبة إلى ملايين العراقيين، فالعقدان الماضيان كانا مليئين بالخسائر والاضطرابات، والحروب وغياب الأمن وصعود الطائفية. بالأرقام، يقول الدكتور منقذ داغر إن هناك تراجعاً في مؤشر الطائفية في البلاد، ويرى في ذلك تطوراً واعداً، لكنه لا يزال متشككاً في مستقبل بلاده، مشيراً إلى أن مشكلة العراق هيكلية وليست عملية.
رغم ذلك، يظهر جيل جديد في العراق يرث عبء الماضي بينما يسعى جاهداً إلى شقّ طريق أمام مستقبل أفضل. بالنسبة إلى الشباب العراقي، الاقتصاد وفرص العمل هما أبرز أولوياتهم، إلى جانب السلم والاستقرار.
المنهجية المتبعة:
أُجري المسح وجهاً لوجه في جميع محافظات العراق الـ18 على عينة تمثيلية من 2024 بالغًا في العراق بين 9 فبراير و 26 فبراير 2023. هامش الخطأ عند مستوى الثقة 95٪ هو +/- 2.2٪. استخدم الاستطلاع تقنية عشوائية لاختيار الأشخاص الذين تمت مقابلتهم وشمل العمل التحقق من الإجابات خاصة عن الأسئلة الحساسة. تم الاعتماد على تحليل المحتوى لفحص نوعية البيانات التي جُمعت.
غالوب الدولية (GIA) هي مؤسسة عالمية مستقلة في أبحاث السوق واستطلاعات الرأي.
فريق العمل
إنتاج: جوليان الحاج
صحافة البيانات: ليوني روبرتسون
تصميم: رئيس حسين
رسوم الفيديو: اسماعيل منير