عودة الجدل في الجزائر حول هجرة الأدمغة بعد تعيين ياسمين بلقايد مديرة لمعهد باستور بفرنسا

مع احتفاء العديد من الجزائريين بتعيين الباحثة الجزائرية ياسمين بلقايد مديرة عامة لمعهد باستور العريق في فرنسا ابتداء من العام المقبل، عاد إلى الواجهة الجدل حول مصير المثقفين والكفاءات العلمية التي تغادر البلاد بكثافة بحثا عن ظروف عمل وعيش أفضل. ورغم تشجيع الجزائر أدمغتها على العودة مؤكدة أنها تفتح أمامهم كل أبوابها، إلا أن الواقع يبدو مختلفا والعراقيل كثيرة.

عاد الجدل إلى الشارع الجزائري حول موضوع إقصاء السلطات الجزائرية لمثقفين وعلماء جزائريين في بلادهم بينما يحتلون مناصب راقية ورفيعة المستوى في دول أجنبية كثيرة، على غرار فرنسا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا.

ورافقت الترحيب الكبير بتعيين الباحثة الجزائرية ياسمين بلقايد -وهي تحمل أيضا الجنسية الفرنسية-، مديرة عامة لمعهد باستور الفرنسي المتخصص في دراسة علم الأحياء والأمراض الفيروسية واللقاحات، مشاعر الاستياء والخيبة بشأن الأسباب التي جعلت أدمغة جزائرية ومغاربية بشكل عام تهجر أوطانها.

لا شك أن العديد من الجزائريين والعرب تفاعلوا إيجابا لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أعلن تعيين أول امرأة مغاربية على رأس معهد باستور العريق، فرأوا في ذلك “مفخرة “.

وكتبت خديجة بن قنة، الإعلامية الجزائرية المعروفة والتي تعيش بقطر، في تغريدة على تويتر:” لأول مرة في تاريخ معهد باستور الشهير الذي أنقذ البشرية من كثير من الأوبئة والأمراض منذ إنشائه عام 1888 مثل الأيدز والملاريا والتيفوس وغيره على يد علماء عملوا فيه”.

وكتب من جهته نورالدين مليكيشي، وهو فيزيائي جزائري يعيش بالولايات المتحدة وعضو بالمخبر العلمي لمهمة “المريخ” لوكالة ناسا: “ألف مبروك لياسمين بلقايد لتعيينها في منصب المدير العام الجديد لمعهد باستور. ستقود ياسمين بلقايد واحدة من أبرز المؤسسات العلمية في العالم إلى مستويات أعلى. أفضل حظ لياسمين بلقايد وأحسنت معهد باستور لصيدك الرائع”.

من جهة أخرى فإن العديد من رواد الشبكة العنكبوتية، وبعد أن هنأوا ياسمين بلقايد بـ “الإنجاز الكبير”، انتقدوا الحكومات الجزائرية المتعاقبة لأنها لم تنتبه حسب رأيهم إلى مشكل هجرة الأدمغة الجزائرية إلى الخارج وعدم وضع أية خطة لاستقطابهم. بل بالعكس كما كتب أحد النشطاء على فيس بوك “النظام الجزائري يفعل كل شيء من أجل أن تغادر الكفاءات الجزائر لكي يبقى هو المسيطر على الوضع وعلى الثروات”.

“إلى أين نذهب هكذا؟”

وجدير بالذكر أن الدستور الذي تمت المصادقة عليه في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2017 كان يمنع بشكل واضح تولي جزائريين يحملون جنسيات مزدوجة بعض المناصب العليا في البلاد على غرار منصب رئيس الجمهورية والوزير و رئيس البرلمان والبنك المركزي ومناصب أخرى في الجيش وقوات الأمن.

وظهر هذا المشكل جليا عندما رفض سمير شعابنة، أحد ممثلي الجالية الجزائرية في فرنسا التخلي عن جنسيته الفرنسية مقابل تنصيبه وزيرا للجالية الجزائرية في يونيو/حزيران 2020.

ورغم إلغاء هذا القانون من الدستور الجديد الذي أصيغ في نهاية العام 2020، إلا أن الكفاءات الجزائرية التي تعمل في الخارج لا تزال تواجه صعوبات كثيرة في احتلال مناصب هامة في الإدارة الجزائرية.

ما جعل عبد الوهاب يعقوبي نائب باريس بالمجلس الشعبي الوطني (لجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية) يدق ناقوس الخطر وينتقد على صفحته على فيس بوك البرلمان الجزائري الذي “يشرع ضد الجالية الجزائرية في الخارج” حسب تعبيره.

وكتب: “مجلس إدارة معهد باستور يعين ياسمين بلقايد مديرة عامة له وعندنا (يقصد الجزائر) الأغلبية البرلمانية تشرع إقصاءها وأمثالها من الأكاديمية الجزائرية للعلوم ومنعها من حق إنشاء موقع إعلامي وحق الاستثمار في الإعلام”. وتساءل بنوع من الحسرة “إلى أين نذهب هكذا؟”.

من جامعة هواري بومدين بالجزائر إلى عتبة باستور مرورا بالمعهد الأمريكي للصحة

من جهته، ورغم التحفيزات والضمانات التي قدمها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتوفير جميع الإمكانيات وبيئة مهنية ملائمة للكفاءات الجزائرية التي تعمل في الخارج، إلا أن الهجرة المعاكسة (أي من دول الغرب إلى الجزائر) باتت تقريبا شبه منعدمة.

على غرار ياسمين بلقايد التي فضلت البقاء في المنفى وفتح صفحة جديدة من حياتها العملية بعيدا عن مدينتها الجزائر العاصمة وجامعة هواري بومدين التي درست فيها. تعد هذه الباحثة الجزائرية المرأة الثانية التي تحتل منصب المديرة العامة لمعهد باستور منذ تأسيسه في 1888.

ولدت في الجزائر العاصمة في العام 1968 وهي ابنة أبو بكر بلقايد إحدى أبرز الشخصيات الجزائرية المثقفة. احتل عدة مناصب وزارية في تسعينيات القرن الماضي قبل أن يغتيل على يد إرهابيين خلال “الحقبة السوداء” في 1995 في الجزائر العاصمة.

درست ياسمين بلقايد في جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنلوجيا بباب الزوار قرب العاصمة الجزائرية وتحصلت على درجة الماجستير في الكيمياء الحيوية. فيما نشرت أكثر من 200 مقالا في مجال العدوى والمناعة والجراثيم والتغذية، وحصلت على العديد من المكافآت.

سافرت إلى الولايات المتحدة في التسعينيات حيث عملت في المعهد الأمريكي للصحة الذي يترأسه جزائري آخر وهو إلياس زرهوني. ثم عادت إلى فرنسا لتعمل كباحثة في معهد باستور العريق قبل أن تختير لتكون مديرته العامة ابتداء من 2014 خلفا للباحث الفرنسي البريطاني ستيوارت كول.