فن وثقافة

مطربة إيرانية تعشق أم كلثوم وتغني بالعربية والفارسية.. وهذه قصتها

“العربية.نت” : تحاور مينا دريس التي تمردت على التقاليد فخطفت القلوب بصوتها العذب.

تعتبر الفنون بشكلها العام والموسيقى والشعر والغناء بشكل خاص اللغة المشتركة التي تتجاوز الفوارق بين شعوب العالم وتصنع حواراً حضارياً متميزاً تمّكن البشر بمختلف ثقافاتها ولغاتها ومشاربهم الدينية والمذهبية من مد جسور التواصل والتقارب والتعارف فيما بينها، وتجعل الإنسان في علاقة أكثر عمقاً مع الآخرين الذين قد يختلف معهم باللون واللسان والعرق والدين.
بهذه الكلمات والجمل أجابت الفنانة والمطربة الشابة المتألقة مينا دريس، المولودة في مدينة عبادان في محافظة الأهواز الواقعة في جنوب غرب إيران، على بعض الأسئلة في حوارها الخاص مع “العربية.نت”.
مينا دريس فنانة ومطربة برزت بجهودها الذاتية دون أي دعم من مؤسسات فنية، واجتازت الخطوط الحُمر التي وضعتها آداب وتقاليد وسنن القبلية والعشائرية ولمعت بصوتها العذب والشجي الساحر الذي خطف قلوب الكثير من محبي فن الغناء والطرب والشعر والموسيقى في إيران بشكل عام وفي الأهواز بشكل خاص، حيث تعتبر مينا دريس أول مطربة أهوازية في مجال الموسيقى والغناء الكلاسيكي.

أنهت الشابة دراستها الثانويَة في مدرسة “مصفى عبادان” (بالايشكاه آبادان) وتابعت دراستها الأكاديمية في جامعة يزد في إيران وحصلت على البكالوريوس في مجال “هندسة المواد – قسم السيراميك”، لكن حبها وتألقها بالغناء والموسيقى أبعدها عن تخصصها الرئيسي فاتجهت إلى الموسيقى والغناء الذي كانت تعشقه منذ صغر عمرها، حسب قولها.
تمكنت مينا، وبمساعدة بعض أفراد أسرتها، من مواصلة غايتها وفرض شخصيتها الفنية وإبراز موهبتها في الغناء بصوتها العذب على مجتمعها الذي لا يقبل للمرأة أن تصبح مطربة يسمع الرجال صوتها العذب، لكن إصرارها على المواصلة بمجال الفنون، بشقيه الموسيقي والغنائي، وتحديها للتقاليد جعل منها مطربة قديرة ومميزة يقدرها ويحترمها الكثير من أبناء جلدتها خاصة الطبقة المثقفة من الشعراء والكتاب والفنانين من العرب والعجم في داخل إيران وخارجها.
بدأت مينا دريس حياتها الفنية منذ سن مبكّرة وكانت بداياتها وانطلاقتها الفنية الأولى مع مجموعة “نواك” الإيرانية حيث قدَّمت من خلال هذه المجموعة عددا من العروض الغنائية، فأثارت إعجاب الكثير من المطربين من الفرس والترك والعرب في إيران خاصةً. وهي تتمتع بصوت جميل وعذب ومميز وقد حققت شهرة واسعة محلياً في محافظة الأهواز ومن ثم اشتهرت في طهران العاصمة بين الأوساط الفنية من خلال بعض مشاركاتها في الحفلات والأمسيات الغنائية. وقد شاركت في المهرجانات الفنية وغنّت طور المقام بالعربية الفصحى كما غنت بالفارسية وواكبت بعض المطربين الأذربيجانيين في أغنيات مزجت فيها الأشعار الفارسية والعربية مما أثارت إعجاب متابعي الغناء العربي والفارسي معاً.
وهاجرت مينا دريس مؤخراً إلى الولايات المتحدة حيث تسكن حالياً في لوس‌ أنجلوس، وهي تحاول من خلال جهدها وسعيها الحثيث أن تشق طريقها نحو النجومية متسلّحة بصوتها العذب وأدائها الرائع في غناء الأبيات الشعرية بالعربية الفصحى والتي أطربت الكثير من خلال أدائها الرائع. ونظراً لمكانة وأهمية مينا دريس الفنية خاصة، وهي تواجه بسلاح الفن والغناء تقاليد مترسخة، كان لـ”العربية.نت” معها هذا اللقاء الخاص.
منذ متى بدأت تمارسين هواية الغناء ومن الذين شجعوك أن تسلكي هذا الطريق في بدايات ظهورك؟
بدأت أمارس هواية الغناء عندما كان عمري 15 عاماً تقريباً. في البداية شجَّعني والدي ووالدتي، ومعلمي في تعليم القرآن والتواشيح هو الذي اكتشف موهبتي وجمال صوتي، وأيضاً الأصدقاء لعبوا دوراً كبيراً في تشجيعي. وأنا من جهتي أيضاً كنت تواقة للقراءة منذ الصغر وكانت قراءة القرآن والتواشيح في المدرسة الدافع الأول في تشجيعي وهذا الأمر جعلني أجذب انتباه المعلمين. ومن خلال المشاركة في المسابقات والفوز بالمراكز الأولى، أصبحت أشعر أن لدي صوتا جميلا. وكان والداي أيضاَ يتمتعان بأصوات جميلة، فكنت أعتقد أنه من الطبيعي أن يكون لديّ صوت جميل. وعندما كنت طالبةً شجعني البروفيسور فرهنك شريف على الاستمرار ومتابعة الموسيقى العربية.
كيف مزجت الأغنية العربية والأغنية الفارسية معاً؟
الأدب العربي أعطى الكثير من المضامين والمفردات والأوزان الشعرية للفارسية، لذلك عندما ما نقرأ اللغة الفارسية في قسم الأدب نحن نسير بشكل تلقائي نحو الأدب العربي. وبما أنني عربية من قبيلة الدريس-بني كعب المعروفة بعروبتها، لذا كان فضولي وحرصي على متابعة الشعر باللغة العربية أكثر.

وهل تأثرت بمطرب إيراني أو عربي في أدائك الغنائي؟
من العرب، أولاً أعشق وأحب غناء أم كلثوم وأنا مفتونة بها وبصوتها. عندما كنت صغيرة والدي شرح لي أن أعظم مطربة في الشرق الأوسط هي أم كلثوم وأنها “من مصر أم الدنيا وأم الحضارة”، وكنت أتمنى لو كانت على قيد الحياة حيث كنت سأسافر إلى مصر لزيارتها مشياً على الأقدام. بالنسبة لي، لم تكن أم كلثوم مجرد مغنية ومطربة عظيمة وإنما هي شخصية قوية ومؤثرة، رغم أنني لم أكن أفهم معنى كلمات أغانيها عندما كنت صغيرة بسبب أن اللغة العربية لسيت اللغة الأولى التي ندرسها في المدارس في إيران. كما أحب صوت فيروز ووديع الصافي وصباح فخري وناظم الغزالي ومحمد عبده وكاظم الساهر وأصالة نصري، وهؤلاء هم المطربون المفضلون عندي بعد أم كلثوم.
ومن بين المطربين الكلاسيكيين الإيرانيين، كنت مهتمةً جداً بالمطربة الراحلة مرضية.
هل غنيت أي أغنية من أغاني أم كلثوم؟
غنيت من أغنياتها لكن لنفسي فقط لأنني أعتقد أنه لا يستطيع أي مطرب أو مطربة أن يغني أغنيات أم كلثوم كما هي تغنيها، لذا احتراماً لمكانتها المرموقة لم أتجرّأ يوماً أن أغني أغانيها في الأماكن العامة، لكن أغني أغنياتها لنفسي أحياناً.
أي نمط غنائي تغنين ولماذا اخترت العربية الفصحى وأنت في إيران؟
أغني أحياناً اللون الكلاسيكي الأصيل بالفصحى وأحياناً أغني اللون الشعبي الأهوازي وأحياناً أواكب بعض المطربات بالفارسية، لكنني أعشق العربية الفصحى وأفضل أن أغني بها لأنني أحب الأدب والشعر. ومن شعرائي المفضّلين في إيران مثلاً سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي لأن شعرهما شعر إنساني ولهما أبيات وقصائد شعرية باللغة العربية. ومن شعراء العرب القدامى، أي قبل الإسلام، أحب أشعار امرئ القيس وعنترة العبسي. ومن العهد الأموي والعباسي أحب أشعار المتنبي وأبوتمام وأبو فراس الحمداني وخاصة قصيدة “يا ظبية البان ترعى في خمائله” للشريف الرضى.
ومن شعراء التاريخ المعاصر أحب أشعار الأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود وشعر محمود درويش ونزار قباني والجواهري ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب. أنا أحب كل الشعر العربي وكله يستحق أن يُغنى بأجمل الألوان وأعذب الأصوات وأرقى مستوى الألحان، لأن بعض الشعراء حقيقةً تجربة لم تتكرر ولا أعتقد الزمان يأتي بمثلهم مرة أخرى.

هل لديك أغان خاصة بك معروفة؟
عندي ألبومان وأغنيات خاصة بي من ألحان الملحن الإيراني إحسان ناصري. أديت هذه الأغاني للمرة الأولى في مدينة قزوين الإيرانية، وهي أغنيات تمزج العربية بالفارسية.
هل كانت لك مشاركات في مهرجانات محلية أو دولية؟
لقد شاركت في مهرجانات عدة وهنالك الكثير من الحفلات والأمسيات الغنائية التي قد أحييتها مع بعض زملائي في الفن والغناء.
في عام 2015، بدأت أنشطتي خارج إيران بالمشاركة في مهرجان BIT في ميلانو بإيطاليا، ثم في مهرجان تنوع الثقافات في قطر ومهرجان أفينيون في فرنسا ومهرجان الأغاني النسائية الإيرانية في برلين. وفي العام الماضي شاركت في مهرجان بابل في العراق ومهرجان آخر في غالافيزه بإقليم كردستان. بالإضافة إلى ذلك، قدمت العديد من الحفلات الموسيقية في إيران بشكل جماعي أو منفصل للنساء فقط.

ما هي الرسالة التي تريدين إيصالها للجمهور في إيران والأهواز على الخصوص؟
الرسالة التي أريد إيصالها لجمهوري ولكل الذين يحبونني ويحترمونني لمكانتي الفنية المتواضعة، هي أنني لا أعتبر نفسي مجرد صوت للترفيه، بل أود أن أنقل للناس القضايا التي تهمني من الناحية الاجتماعية والشخصية من خلال التعبير الدقيق في الموسيقى. آمل أنه من خلال زيادة وعي النساء واهتمامهن بتربية الأطفال بشكل سليم وصحيح سيحدثون نمواً ثقافياً قدر الإمكان. المرأة بالنهاية هي نصف المجتمع، هي الأم والأخت والزوجة والخيمة التي تضم الأسرة قاطبة، لذا علينا جميعاً مكافحة ظاهرة تهميش دور المرأة وإعطاؤها الدور الكبير الذي تستحقه.
هل لديك نية في تصوِير فيديو كليب خاص بك كما يعمل بعض المطربين في إيران وفي العالم العربي؟
سأحاول أذا ما أتيحت لي الفرصة وتحسنت ظروفي بعد مشقة الهجرة إن شاء الله. أنا ما زلت غريبة على المكان الذي أسكنه الآن ولكن أعتقد أنه بعدما أتعرف على الجالية العربية والمطربين الفنانين العرب والبيئة الفنية العربية في أميركا سأقوم بإصدار بعض الأعمال الغنائية من فيديوهات أو البوم إن شاء الله، لأنه لا يمكن لأي مطرب أو مطربة أن يصبح مشهوراً محلياً وعربياً وعالمياً دون نشر غنائه وإصدار أعماله الفنية. وأنا بسبب الهجرة ما زلت في بداية طريقي، لكن لدي أمل كبير في تحقيق طموحي.

ماهي طموحاتك للمستقبل؟

آمل أن أتمكن من مواصلة دراسة الموسيقى في جامعات مرموقة في أميركا. أحب السفر وأحب معرفة المزيد عن الثقافات المختلفة وآمل أن أحصل على تجربة فنية وحياتية متنوعة من خلال السفر إلى بلدان مختلفة والمشاركة في مهرجانات موسيقية خاصةً في البلدان العربية ومنها السعودية. أنا أؤمن أن الفن مؤثر جداً في تقريب قلوب الناس من بعضهم البعض، وهذا التقارب يحدث من خلال معرفة أكبر عدد ممكن من النقاط المشتركة بيننا نحن البشر. أتمنى أن يكون لدينا يوماً ما عالم يسوده السلام والنور والأمان.
كلمة أخيرة تحبّين أن تقوليها في نهاية هذا اللقاء؟
أشكر “العربية” جزيل الشكر على هذا اللقاء الجميل، وأتمنى لـ”العربية” النجاح والتقدم والتألق. أنا كنت وما زلت من متابعي قناة “العربية” بشقيها العربي والفارسي ومختلف موادها وبرامجها. أشكر كل متابعيني وكل أبناء جلدتي الذين شجعوني وساندوني، كما أود أن أشكر جميع أصدقائي الذين دعموني في مسيرتي الفنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى