أخبارالرئيسيةالنسخة الورقيةسياسةفن وثقافةمجتمع

أسطورة الزعيم العربي التي لن ينساها التاريخ

رئيس التحرير يكتب

الرئيس الراحل صدام حسين بعد عشرين عاما يحظى بشعبية واسعة وكبيرة في الشارع العربي، ولماذا يترحم الشارع العربي عليه بينما يلعنون باقية الحكام، لماذا يتذكرون في العصر الحالي صدام حسين وجمال عبد الناصر بينما لايحظى حكام العرب بأي إهتمام أو ذكر حقيقي في الشارع العربي، ألم يكن عصره ذهب مقارنة باليوم، إذا كان الرئيس صدام حسين حي ماكان يحدث في المنطقة مثلما ما يحدث.
إن أمريكا وإسرائيل قضت على حزب البعث في العراق، وعلى رئيسه بينما تحميان حزب البعث في سوريا وعلى بشار الأسد الذي دمر بلاده وشعبه.

رحل صدام حسين صبيحة عيد الأضحى المبارك،منذ عشرين عاما في مشهد مؤثر بثته معظم الفضائيات، تأثر الشارع العربي والإسلامي كثيرا، أما الزعامات العربية فاكتفت بعض منها بإصدار بيانات إدانة خجولة، من باب المداهنة السياسية، ورفض توقيت الإعدام الذي استفز مشاعر ملايين المسلمين، بمن فيهم مئات آلاف الحجاج وهم يؤدون المناسك في مكة المكرمة.

فقط في ذلك الصباح كانت بغداد على موعد مؤلم، ودعها صدام قبيل مطلع الفجر، وهو يرتدي معطفه الأسود، لم تبكي بغداد وحدها، بكت الموصل والرمادي والبصرة وكركوك، بكت أيضا صنعاء والرباط وطرابلس وكوالالمبور وإسلام آباد ومقديشو، كان صدام ينظر النظرة الأخيرة نحو بغداد، المدينة التي حكمها لنحو ثلاثة عقود من الزمن، تأملها بنظرات ثاقبة، من داخل المروحية الأميركية، واستمد منها شموخا وكبرياء، تجلى في غرفة الإعدام، لحظة اعتلائه منصة النهاية.


لا يزال إسم صدام حاضرا عند كل انتكاسة تصيب العراق، أو حتى مدن عربية، يتذكره الناس كرجل أصيل لديه من الشجاعة والنخوة ما لا يمتلكه زعماء العرب قاطبة، كما يمتلك صدام كاريزما قوية جعلته محط إحترام وتقدير نظرائه في العالم العربي، وفي هذا السياق قال الحسن الثاني ملك المغرب الراحل: “عندما كان يتحدث صدام في القمة، كنا نصمت كأن على رؤوسنا الطير”! امتلك الشهيد صدام إرادة صلبة لا تقبل الخضوع، واستعدادا للمواجهة أيضا، ولديه كم هائل من العناد وعدم الخنوع، ولعل هذا كان سببا كافيا للإطاحة به، لكن، الآن وبعد رحيله، هل هناك قيمة لاستحضار إسم الرئيس القائد بعد أن أصبح رفاتا داخل قبره في مسقط رأسه بالعوجة؟ وهناك سؤال أهم: ما الذي يجعل الناس أصلا يستحضرون صدام حسين في مثل هذه المواقف؟ ألم يكن ديكتاتورا كما يقول عنه عدد من العراقيين؟

والإجابة على هذا السؤال مؤلمة، وهي أن افتقار العالم الإسلامي عموما والعربي بشكل خاص لشخصية قوية وقيادية في الوقت الراهن، يولد فراغا في المشهد السياسي العربي يحاول العامة ملأه باستحضار الذاكرة، وفرز أسماء قيادية كصدام حسين.

لم تكن إيران قادرة على تصدير ثورتها في ثمانينيات القرن الماضي، إذ أفشل العراق أولى هذه المحاولات، وفشلت قوات الحرس الثوري في تجاوز البوابة الشرقية للوطن العربي، ذلك أن صدام حسين القائد المحنك كان متيقظا لهذا المخطط، ونجح في التصدي له وإفشاله، رغم أن الحرب لم تكن من مصلحة البلدين وأنهكت الجيش العراقي كثيرا، لكن ذلك كان ضروريا للوقوف في وجه المد الخميني الطموح.

كم كان العراق عزيزا وهو يطلق صواريخه على تل أبيب، فتطرب لها قلوب الجماهير من المحيط إلى الخليج، وكيف أصبح العراق بعد سنوات من تسليمه لإيران، يغرد خارج السرب، ويتغنى بثورة الخميني.

أما اليوم يتساءل الملايين: ما الذي عمله الزعماء العرب لوقف المد الإيراني؟ ألم يزدد اتساعا بعد سقوط العراق؟ ثم كيف فرطت الأمة الوسطى بهذا القائد ولم تبذل أدنى جهد لإنقاذه كما أنقذها من المد الإيراني الطائفي؟ أو على الأقل، لماذا أيدت أنظمة عربية إعدام الرجل، مع إمكانية التزامها الصمت؟ إيران لا تهتم لهذه الأسئلة، فقد أصبحت اليوم تتمتع بنفوذ يمتد من بغداد شمالا، وحتى صنعاء جنوبا، ومن البحرين شرقا، وحتى بيروت غربا، ووصل أرض الجزائر.

إن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي قال له أثناء غزو العراق للكويت: “على العراق أن تنسحب فورا، لأن العراق بوابتنا الشرقية التي نتكئ عليها، وإذا انهار العراق لا سمح الله، فلا يلومنا أحد إن تجهزنا للتطبيع مع إسرائيل”، وهو ما حدث بالفعل، انهار العراق، واستشهد الديكتاتور الجميل، ووصل العرب حاليا لمرحلة التطبيع عبر صفقة القرن المزعومة، يتساءل كثيرون: هل يجرؤ العرب على التطبيع لو كان صدام بينهم؟

كم كان العراق عزيزا وهو يطلق صواريخه على تل أبيب، فتطرب لها قلوب الجماهير من المحيط إلى الخليج، وكيف أصبح العراق بعد سنوات من تسليمه لإيران، يغرد خارج السرب، ويتغنى بثورة الخميني! فقد العراق بوصلته العربية وأصبح أقرب إلى ولاية إيرانية.

من الصعب فرز الذاكرة واستحضار المواقف النبيلة في زمن يتصدره الخزي والعار، وكم هو مؤلم أن تصاب الأمة بالقنوط وتعجز عن صناعة قادة جدد بدلا من العودة لمخزون الذكريات والملاحم البطولية، تلك الذكريات التي أصبحت ذكرى نحتفي بها كل عام، بعد أن عجزنا عن صناعتها لنحتفي بها على أرض الواقع وفي الزمن الحاضر، وهذا ما يجعل شخصية صدام حسين حاضرة بقوة في المشهد العربي والإسلامي المتآكل،

ولكن لم يخدع الشارع العربي لان الطغاة مهما عاشوا في الأرض وقتلوا وطغوا على حسب شعوبهم ويومهم ما إلا بقريب.

أسطورة الزعيم العربي التي لن ينساها التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى