دولي

الجزائر تتهم إسبانيا بعرقلة تطبيق أولويات الشراكة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي

ردّت وزارة الخارجية الجزائرية بسرعة على تصريحات مسؤول في المفوضية الأوروبية، أعرب عن قلق الاتحاد من استمرار القيود التجارية التي تفرضها الجزائر على المنتجات الإسبانية. واتهمت الجزائر مدريد بعرقلة انعقاد مجلس الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي الذي يفترض أن يجسد الأولويات الجديدة للطرفين، بحيث لا تكون الجزائر مجرد سوق.

في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية، أكد مسؤول سامٍ بوزارة الشؤون الخارجية الخميس، أن المدير العام المساعد المكلف بالتجارة في مفوضية الاتحاد الأوروبي “كرس اللبس عمدا بين البعد السياسي والتجاري” من خلال إعرابه عن “قلق” الاتحاد الأوروبي وتطرقه لـ”إجراءات ردعية” مزعومة اتخذتها الحكومة الجزائرية ضد إسبانيا.

وأبرز المتحدث الذي لم يكشف عن اسمه، أن هذا المسؤول الأوروبي لم يتطرق البتة، بطبيعة الحال، إلى الموقف المعرقل للحكومة الإسبانية التي تقف في وجه تبني أولويات الشراكة التي تم التفاوض بشأنها ووضع صيغتها النهائية منذ عدة أشهر في إطار سياسة الجوار الأوروبية، كما أنه غض الطرف أيضا عن موقف إسبانيا غير المسؤول، بحيث أنها تستغل بطريقة تعسفية قاعدة الإجماع لعرقلة انعقاد مجلس الشراكة، الذي يعتبر الهيئة السياسية القانونية المكلفة بالخوض في كافة الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية”.

وتعتبر هذه المرة الأولى التي تكشف فيها الجزائر عن دور إسباني في عرقلة انعقاد مجلس الشراكة الذي كانت آخر دوراته في نهاية سنة 2021 عبر تقنية التواصل عن بعد، في ظل استحالة اللقاء بسبب جائحة كورونا. وخلص ذلك الاجتماع إلى إعادة النظر في أولويات اتفاق الشراكة الموقّع بين الطرفين سنة 2002، فالجزائر أصبحت تمتعض من كونها في نظر شركائها الأوروبيين مجرد سوق لتصريف سلعهم، وهي تبحث عن مساعدة في تنويع اقتصادها وإيجاد حصص تصديرية في بلدان الاتحاد خارج مجالات الطاقة.

وفي نهاية تصريحه، أكد الدبلوماسي الجزائري أن “هذه التحركات الاستعراضية والضغوطات التي تمارسها إسبانيا غير مجدية ولا تؤثر فينا بتاتا”. وفي الواقع، منذ بداية الأزمة مع إسبانيا قبل عام، على خلفية تغير سياسة مدريد من قضية الصحراء الغربية، تحتفظ الجزائر بنفس الموقف المتجاهل للجانب الإسباني الذي يستعمل تارة أسلوب التهديد عبر ورقة الاتحاد الأوروبي، وتارة أخرى الترغيب عبر سياسة اليد الممدودة.

ويأتي الرد الجزائري، بعد إعراب الاتحاد الأوروبي مجددا، الثلاثاء الماضي، عن “قلقه البالغ” إزاء ما وصفه بانتهاك الجزائر لاتفاقية الشراكة بين الجزائر وبروكسل، من خلال عرقلتها العمليات التجارية من جانب واحد مع إسبانيا، منذ يونيو الماضي. وأكد نائب المدير العام للمديرية العامة للتجارة لدى المفوضية الأوروبية، دينيس ريدونيت، في تصريحات لوسائل الإعلام الإسبانية، خلال زيارة لفالنسيا، أن “الإجراءات التي اتخذتها السلطات الجزائرية تثير قلقا كبيرا، ليس فقط في إسبانيا، ولكن أيضا داخل الاتحاد الأوروبي، لأنها تؤثر على السياسة التجارية المشتركة”. وأضاف أن “الأمر يتعلق بالإكراه الاقتصادي وسنتواصل مع السلطات الجزائرية لمواجهة هذه الإجراءات وإزالتها”، مضيفًا أن هذه القضية “مقلقة ومعقدة للغاية ولها أبعاد تجارية وسياسية”.

وسبق للاتحاد الأوروبي أن دعا في يونيو 2022 الجزائر لرفع القيود التجارية التي فرضتها على إسبانيا. ورغم عدم استجابة الجزائر، لم ينجم عن الأمر أي رد فعل عقابي من قبل بروكسل، حتى أن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، زار الجزائر شهر أغسطس 2022، ووصف الجزائر بالشريك الموثوق خاصة بعد رفع إمداداتها الغازية للدول الأوروبية في ظل الأزمة التي عانت منها بلدان الاتحاد بعد الحرب الروسية الأوكرانية، في موقف بدا من خلاله أن الأزمة الجزائرية الإسبانية، لم تؤثر كثيرا على علاقات الاتحاد الأوروبي مع الجزائر.

ويعود الحرص الإسباني على استدعاء تدخل الاتحاد الأوروبي مجددا في أزمته مع الجزائر، إلى نتائج الحظر التجاري الكارثية التي طبقتها الجزائر على المؤسسات الإسبانية. وتشير التقديرات إلى أن خسائر جميع الشركات الإسبانية التي لها تعاملات في الجزائر تتجاوز الآن 600 مليون يورو. وتتمثل هذه الخسائر في عدم استلام الجزائر طلبيات كانت محجوزة ورفضها استقبال حاويات قادمة من إسبانيا وتعطيل عملية دفع ثمن المواد التي تم استيرادها بعد وقف التوطين البنكي لعمليات الاستيراد من إسبانيا قبل سنة.

ولجبر هذه الأضرار، تعتزم شركات إسبانية، مقاضاة حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، للمطالبة بتعويضات. وتنطلق الشركات في دعواها، من أن تغير موقف الحكومة الإسبانية في النزاع على الصحراء الغربية، بعد 47 عاما من الحياد النشط، قد تسبب في خسائر اقتصادية تتزايد يوميا، وهو سيناريو لا يمكن تحمله على المدى المتوسط ​​والطويل ويعرض للخطر استمرار بعض الشركات. وباتت الحكومة الإسبانية تعترف وفق ما أوردته صحيفة “أندبندنت”، بأنها لم تقدر عواقب تغير موقفها من قضية الصحراء الغربية على علاقاتها مع الجزائر. ودعا مسؤولون كبار في وزارة الصناعة، رجال الأعمال لتغيير وجهتهم والابتعاد عن الجزائر حاليا، ووجهوا لهم اللوم لأنهم “وضعوا كل بيضهم في السلة نفسها”.

وتستمر الأزمة بين الجزائر وإسبانيا منذ تاريخ 19 مارس/ آذار الماضي الذي أعلنت فيه الجزائر سحب سفيرها من مدريد، وتطور الأمر لإعلان الرئاسة الجزائرية، التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة مع المملكة الإسبانية سنة 2002. وذكرت الرئاسة الجزائرية في مبرراتها أن هذا القرار جاء على خلفية “شروع السلطات الاسبانية في حملة لتبرير الموقف الذي تبنته بشأن الصحراء الغربية والذي يعد انتهاكا لالتزاماتها القانونية والأخلاقية والسياسية للسلطة المسؤولة عن الإقليم والتي تقع على كاهل مملكة إسبانيا حتى يتم إعلان إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية من قبل الأمم المتحدة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى