القدس.. رمز الصمود
بقلم د/ ناحج إبراهيم
بكيت حتى انتهت الدموع، صليت حتى ذابت الشموع، سألت عن محمد فيك وعن يسوع، يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء، يا أقصر الدروب
بين الأرض والسماء، يا قدس يا منارة الشرائع، يا طفلة جميلة محروقة الأصابع، حزينة عيناك يا مدينة البتول، يا واحة ظليلة مرّ بها الرسول، حزينة حجارة الشوارع، حزينة مآذن الجوامع، يا قدس يا جميلة تلف بالسواد، من يحمل الألعاب للأولاد، في ليلة الميلاد، من يوقف العدوان، عليك يا لؤلؤة الأديان، من ينقذ الإنجيل، من ينقذ القرآن، من ينقذ المسيح، من ينقذ الإنسان.
كانت هذه أروع كلمات الشاعر العربي العظيم نزار قباني الذي خلا الزمان اليوم عن مثله، لا أحد سيوقف العدوان المتكرر على القدس الشريف، وكيف يقف العدوان وكل شيء في عالمنا العربي والإسلامي يبعدنا عن القدس وقضيتها، وصدق الإمام الطيب الذي قال منذ عدة سنوات في مؤتمر القدس الذي شرفت بحضوره وكان الفعالية العالمية العربية الوحيدة عن القدس:
“منذ سنوات طوال مناهج التعليم لدينا عاجزة عن تكوين أي قدر من الوعي بقضية القدس وفلسطين ووسائل إعلامنا لا تتحدث عنها إلا لمامًا عبر خبر أو تقرير رتيب من مراسل” وقال وقتها “كل احتلال إلى زوال وإن بدا وكأنه أمر مستحيل”، ولذا قرر المؤتمر وقتها تدريس مقرر سنوي عن فلسطين والقدس في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية الأزهرية.
قضية القدس التي بناها اليبوسيون العرب المنحدرين من شبه الجزيرة هي لب الصراع الإسرائيلي، فالقدس من أعرق مدن العالم جميعًا وعمرها 50 قرنًا وهي موطن الأنبياء جميعًا وفيها مسري الرسول محمد ومنها صعد عيسى إلي السماء.
وقد رضي العرب بشرق القدس فقط، ولكن إسرائيل تريدها كلها بل وتريد طرد الأسر العربية القليلة الموجودة فيها وهدم المسجد الأقصى وقد مضت حلقات خطتها إلي آخر المدى وها هي تضيق بأقل من ثلاثة آلاف فلسطيني في حي الشيخ جراح وتطردهم بالتدريج بدعوى أن هذه الأرض تملكها مؤسسات إسرائيلية احتالت بالخديعة والكذب على هذه الأراضي.
اسم حي الشيخ جراح شاهد وحده على اغتصاب إسرائيل للأرض، حيث يعود نسبه في أرجح الروايات إلى الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسي الجراحي وهو الطبيب الخاص للقائد العظيم الرحيم فاتح القدس/صلاح الدين الأيوبي الذي يشتمه البعض الآن لأغراض في نفوسهم.
هذا الطبيب سكن واستقر في هذه المنطقة وبني مسجدًا وضريحًا له فيها وأوقف فيها وقفًا كبيرًا علي طلاب العلم وأوجه الخير، وهذا الحي بالذات تستهدفه إسرائيل وقطعانها من المستوطنين المتوحشين بتهجير الفلسطينيين وزرع 200 وحدة استيطانية تستكمل تحويل القدس الشرقية إلي مدينة يهودية خالصة بحيث يحاصر المسجد الأقصى من كل ناحية.
يمكنكم سؤال أي مستوطن إسرائيلي أين ولد جدك، سيكون خارج فلسطين، واسألوا أي فلسطيني عن مفتاح بيته الذي هجر منه بعد نكبة 48 سيعطيه لك.
لقد أتانا الخصم من ثغور تركناها فاحتلها شذاذ الآفاق في غفلة منا، فمائة عام من الدهشة والتباكي علي القدس وفلسطين تكفي وتزيد، والتاريخ لا يرحم المندهشين ولا المتباكين والطريق إلى فلسطين يبدأ بالتوحد معًا وألا نسدد خناجرنا إلي أنفسنا أو أوطاننا أو قومنا مهما كانوا.
ليبدأ كل منا في بناء وطنه لا هدمه وسد ثغراته والقيام بواجباته نحو دينه ووطنه، ولندعم جميعًا أهل القدس فهم الحقيقة الديمغرافية القوية على الأرض وهم الهوية المتحركة والحية والعصية علي الطمس، وكل نداء في مسجد أو قصيدة في محفل أو ترنيمة في كنيسة أو أغنية عن القدس مثل أغنية فيروز والتي لم تغن مثلها حتى الآن والتي ألفها الأخوان رحباني ولحنوها وكلهم مسيحيون تعزز روح الصمود عند الفلسطينيين عامة والمقدسيين خاصة.
مضى ترامب وشارون وغيرهما وبقيت القدس حقيقة واقعة، وعلينا ألا ننظر لفلسطين من خلال منظور ضيق نحبه أو نكرهه فلسطين أكبر من حماس وأكبر من السلطة الوطنية، فلسطين والقدس قضايانا جميعًا قضية المسلم والمسيحي والإنسان الحر قضية الحق والحقيقة والتحرر الإنساني في المقام الأول من آخر احتلال في العالم كله.