أخبار

الخرطوم.. اعتداءات جنسية ومشاهد مرعبة في شوارع العاصمة

فرّ أكثر من مليون سوداني من البلاد منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، منهم من غادر خارج الحدود، ومنهم من اكتفى بالانتقال من الخرطوم التي تعد المسرح الأبرز للاقتتال بين الموالين للمعسكرين، لكن الحظ لم يكن حليف كثيرين، ممن بقوا محاصرين داخل الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.

وبالنسبة لهؤلاء، يعد كل يوم صراعا للعثور على الطعام أو الحصول على ماء صالح للشرب، وشحن الهواتف، في ظل الانقطاع المتكرر لكهرباء، وفق شهادات استقتها وكالة أسوشيتد برس.

“شريان الحياة”
يجتهد السودانيون المحاصرون في العاصمة، لتجنب المسلحين وكذا المجرمين في الشوارع الذين يسرقونهم ويعاملونهم بوحشية، وينهبون المتاجر ويقتحمون المنازل لسرقة أي شيء ذي قيمة يمكنهم العثور عليها.

أصبح العثور على الدولار أيضا أمرا صعبا، وإذا حصل ذلك، يمكن أن يكون الاحتفاظ به مخاطرة كبيرة، حيث أن تطبيق “بنكك” التابع لبنك الخرطوم، لايزال متاحا، ويمثل “شريان الحياة” بالنسبة للكثيرين حيث يسمح للمستخدمين بتحويل الأموال وإجراء المدفوعات إلكترونيا.

محمود، شاب سوداني، يستخدم التطبيق للدفع لمالك المتجر الوحيد الذي يزوره لشراء السلع المعلبة.

وخلال الأسابيع التي انقطعت فيها الكهرباء، كان صاحب المحل يعطيه ما يحتاج إليه ويسمح له بالدفع لاحقا.

وتضع شركة التكنولوجيا التي عمل بها محمود قبل بدء الاقتتال 30 ألف جنيه سوداني – حوالي 50 دولارًا – على حساب التطبيق الخاص به كل بضعة أسابيع.

تسمح هذه المدفوعات لمحمود بالاستمرار في العيش، حيث قال للوكالة: “إذا كان لدي أموال في حسابي المصرفي وكان التطبيق يعمل، فسيكون كل شيء على ما يرام”.

ومثل آخرين تحدثوا لوكالة أسوشيتيد برس، طلب محمود عدم ذكر اسمه الكامل خوفا من الانتقام.

و منذ 15 إبريل الماضي، يخوض الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح برهان وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدن دقلو، المدعو حميدتي، صراعا عنيفا على السلطة حول الخرطوم التي تحولت إلى ساحة معركة حقيقية. قتل بها أكثر من 800 مدني، بحسب نقابة الأطباء السودانية.

وبدأ الاثنين، وقفٌ لإطلاق النار لمدة أسبوع، وهو السابع منذ بدء الصراع، لكن المعارك والقصف لا يزالان مستمران، على الرغم من تعهد كلتا القوتين في السعودية بوقف القتال.

وتعرضت المناطق السكنية والمستشفيات للقصف من قبل الغارات الجوية للجيش، بينما استولت قوات الدعم السريع على منازل وحولتها إلى قواعد.

وفي غمرة الاقتتال، والانزلاق الأمني، غالبا ما يكون الخطر المباشر، في الشوارع، إلى جانب خطورة لقاء مسلحين، التعرض للاعتداء والسرقة من طرف اللصوص .

مشاهد مرعبة والمغادرة مكلفة
يقول وليد، وهو من سكان شرق الخرطوم، إنه واجه عدة مشاهد مرعبة.

ففي إحدى المرات، رأى حوالي 30 من مقاتلي قوات الدعم السريع، بعضهم بدا أنه لم يتجاوز 15 عاما، وفق وصفه، يعذبون أحد المارة ويلوحون بأسلحتهم إليه (وليد) ويطالبونه بالاستلقاء على الأرض، ثم يصرخون عليه للتوقف.

ورغم كل هذه المخاطر، اضطر كثيرون للبقاء في الخرطوم، كونهم لا يستطيعون دفع تكاليف المغادرة.

ويرغب محمود في الوصول إلى إثيوبيا، ثم البرتغال حيث عُرض عليه عمل، لكنه لا يملك مبلغ 2500 دولار، تكلفه الرحلة، بينما قال وليد إنه لا يستطيع المغادرة لأسباب طبية.

ويقول آخرون إنه لا خيار أمامهم سوى البقاء والعمل.

تانا توسافي، إحدى النساء العديدات اللواتي يبعن الشاي في شوارع الخرطوم، وهي أم عزباء من إثيوبيا، تقول إن أطفالها الأربعة يعتمدون عليها للمعيش، لذلك هي مجبرة على البقاء والعمل.

مخاطر محدقة
لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث لك في الخرطوم، حتى وأنت في منزلك.

ويقول محمود إن مقاتلي قوات الدعم السريع الذين كانوا في مبنى مجاور بدأوا الأسبوع الماضي في إطلاق النار على شقته، معتقدين أن قناصا من الجيش كان هناك بعد رؤية الأضواء في الداخل.

وقال للوكالة إنه اضطر إلى مواجهة القوات وإقناعهم بأن مبناه ممتلئ بالمدنيين فقط.

من جانبها، قالت فاطمة، وهي مقيمة أخرى، إن شقيقها اختفى في 13 مايو، وعندما عاد الاثنين، قال إنه تم احتجازه واستجوابه من قبل قوات الدعم السريع لمدة ثمانية أيام.

وقالت مبادرة الأشخاص المفقودين، وهي أداة تعقب عبر الإنترنت حيث يمكن للأشخاص الإبلاغ عن أحبائهم المفقودين، إن لديها تقارير عن 200 شخص على الأقل في عداد المفقودين في العاصمة.

وقالت إنها تلقت عدة تقارير عن أفراد تحتجزهم القوات شبه العسكرية.

اعتداءات جنسية
لكن الأمر الأكثر قتامة هو العدد المتزايد لأحداث الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي يتم الإبلاغ عنها، حيث كان هناك ما لا يقل عن 10 حالات اغتصاب مؤكدة في منطقة العاصمة، سبعة ارتكبها جنود قوات الدعم السريع، بينما ثلاثة حالات قام بها مهاجمون داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حسب أسوشييتد برس.

في هذا المشهد المليء بالخوف، يجد من بقوا في المدينة طرقا للعيش، يعمل بعض أصحاب المتاجر خارج منازلهم، بينما يحاولون جهدهم ألا يراهم المسلحون واللصوص.

وقال وليد إن مخبزا واحدا متبقيا لا يزال يخدم في حيه واثنين آخرين، إذ لا يمكنك الشراء منه إلا شريطة أن تسجل اسمك مسبقًا.

وقال: “إذا كنت محظوظًا وسجلت اسمك الساعة 7 صباحًا، فقد تحصل على خبزك الساعة 12 ظهرا”.

ووليد هو الآخر، يعيش على المدفوعات التي تصله عبر تطبيق “بنكك” والتي تضعها عائلته في المملكة العربية السعودية في حسابه.

خلال الأسابيع الأولى من مايو، لم تكن هناك كهرباء في حيه، لذلك اعتمد وليد على مسجد قريب به مولد كهربائي لشحن هاتفه.

وعدم وجود كهرباء يعني أيضا عدم وجود مياه جارية.

قال وليد في الصدد: “كثيرا ما تجولنا بالدلاء في محاولة للعثور على أشخاص لديهم مولدات كهربائية يمكنهم تشغيل مضخات المياه الخاصة بهم” قبل أن يعاد التيار الكهربائي للمنطقة.

إلى ذلك، أغلقت معظم مستشفيات المدينة أبوابها وتضرر الكثير منها في القصف أو القتال.

وأفادت منظمة الصحة العالمية أنه منذ 11 مايو، وقع 11 هجوماً على منشآت إنسانية في العاصمة.

لكن مجموعات العمل المجتمعي، التي تقودها شبكة شعبية مؤيدة للديمقراطية تعرف باسم لجان المقاومة، اجتمعت معًا للمساعدة في علاج مرضى الخرطوم وتوصيل الأدوية.

وقالت هديل عبد السيد، وهي طبيبة متدربة في إحدى العيادات، إن من المرضى من مات بسبب عدم وجود ما يكفي من الأكسجين، قبل أن يتم إخلاء العيادة في النهاية بسبب القصف المكثف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى