سياسة

السلطات الجزائرية تهاجم الدرهم المغربي

خرج محرك البحث “غوغل” للتحويلات الفورية لسعر صرف الدرهم المغربي بأرقام صادمة للشعب المغربي، مفاده أن قيمة اليورو الواحد تعادل 18.35 درهم، أما قيمة الدولار الواحد فتعادل 17.18 درهما، بمعنى أن الدرهم فقد 75 بالمائة من قيمته، في تطور دفع مسؤولي بنك المغرب إلى الخروج ببيان ينفي حصول انهيار في قيمة الدرهم.
بعدها بأسبوع واحد، وبالضبط يوم الأربعاء 25 جانفي، خرج المحرك ذاته “غوغل” ليقدم أرقاما جديدة عن قيمة الدرهم المغربي مقابل العملة الأوروبية الموحدة (يورو)، والعملة الأمريكية الدولار، مقدما أرقاما قريبة من تلك التي قدمها الأسبوع الذي قبله، مفادها أن قيمة اليورو الواحد تعادل 16.01 درهم، أما القيمة بالدولار فتعادل 14.70 درهما.
في كل مرة ينشر هذا المحرك أرقاما تظهر انهيارا في قيمة الدرهم المغربي، يعود بعد ذلك إلى الأرقام المعهودة، وفي الحالة الأولى خرج البنك المغربي ينفي انهيار قيمة الدرهم، لكن في الحالة الثانية تحاشى البنك التعليق، تاركا الجدل يشتعل في أوساط شبكة التواصل

حول مدى جدية تلك الأرقام.
إلى هنا الأمر عادي، لأن انهيار عملة دولة ما مرهون بالظروف المحيطة باقتصاد بلادها وبمدى متانته، كما يعرفه العام والخاص، أما أن يُلقى اللوم على الجزائر في الأزمة التي تضرب الاقتصاد المغربي، فالأمر ينطوي على الكثير من التجني، وتصدير للأزمات الداخلية إلى الخارج.
المهدي لحلو، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، يعتقد أن ما يتعرض له الدرهم المغربي هو عملية عدائية تقوم بها أطراف خارجية، لم يتورع في اتهام الجزائر مباشرة، إذ يقول في فيديو على منصة إعلامية مغربية إن “هناك ضغط على سعر الدرهم وهذا عمل إجرامي خارجي. من يستفيد منه هي بعض المصالح الاقتصادية الخارجية، تبدو غير واضحة.. لكن الذي يشن حربا على المغرب منذ سنة ونصف في كل القطاعات وفي كل المجالات، هي الجارة الجزائر والسلطات الجزائرية”.
ويضيف: “إذا لم يكن هناك خلل تقني في غوغل، وأنا لا أعتقد أنه خطأ، يمكن أن تكون السلطات الجزائرية هي من قامت بهذا الهجوم على الدرهم المغربي بهدف تقويض أهم أساس في الاقتصاد الوطني (المغربي)، الذي يحمي القدرة الشرائية”، متحدثا عن مخاطر أمنية وسياسية واقتصادية في حال تم تخفيض قيمة الدرهم.
ما قامت به الجزائر خلال المدة التي تحدث عنها الأستاذ الجامعي المغربي، لا يتعدى قرارات عقابية ضد المغرب، لكنها تبقى سيادية، بسبب الأعمال العدائية التي دأب عليها نظام المخزن ضد الجزائر، كما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، يوم قرار قطع العلاقات مع المغرب.
ومن بين هذه العقوبات، وقف العمل بأنبوب الغاز المغاربي الأوروبي، الذي كان يربط الجزائر بإسبانيا عبر التراب المغربي، وكان يوفر للرباط امتيازات كبيرة، غاز من دون مقابل ومئات الملايين من الدولارات، في صورة رسوم مرور الغاز على التراب المغربي، وهذا كبد الاقتصاد المغربي خسائر فادحة وبات يؤثر حتى على الاستثمار في المغرب، الذي كان يستفيد من أسعار مغرية للغاز القادم من الجزائر، أما اليوم فهو يدفع أسعارا خيالية للغاز المستورد من إسبانيا، فضلا عن منع الخطوط الملكية المغربية من استعمال الأجواء الجزائرية، وهذا كبدها أيضا خسائر صادمة.
من الأسئلة التي يطرحها الشارع المغربي، ما مدى جدية الأخبار التي جاء بها محرك “غوغل”؟ ولم اقتصر الانهيار على الدرهم المغربي دون غيره من عملات الدول الأخرى؟ كل الفرضيات تصب في اتجاه صدقية ما أورده “غوغل”، الذي يأخذ معلوماته من بنك المغرب، ولا يمكن أن يجازف بمصداقية منصة رقمية عملاقة بحجم “غوغل”.
الخبراء الاقتصاديون يجمعون على أن الاقتصاد المغربي يعاني من أزمة حادة، زادت من شدتها القروض الخارجية، التي وصلت 70 مليار دولار، فضلا عن خدمات الدين (فوائد الدين) وسدادها فوري، وهو ما دفع الحكومة المغربية إلى طلب قروض جديدة من أجل تسديد فائدة القروض، مثلا في آخر محطة من هذا القبيل، حصل المغرب على قرض بـ 129 مليار درهم، 109 مليار درهم من هذا القرض يذهب لسداد فوائد القروض وليس القروض.
ويرى خبراء أن المغرب أصبح غير قادر على سداد ديونه، وهذا يجعله يطلب مزيدا من القروض من المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، غير أن هذه المؤسسات المالية لا تقدم قروضا دون ضمان استعادتها، وهذا ما يفسر طلب اشتراط صندوق النقد منح القروض مقابل تحرير سعر الدرهم، الذي بدأ في 2018 بتحرير جزئي لم يتعد 5 بالمائة بقرار من البنك الدولي.
ما ينتظره المغرب تعيشه مصر بعد تحرير الجنيه، ففي يوم واحد فقط، فقد الجنيه المصري 16 بالمائة من قيمته، وهذا يعني أن الشعب المغربي مقبل على ظروف صعبة جدا، لأن الأسعار ستتضاعف وستكون الحكومة المغربية غير قادرة بل ممنوعة من دعم الفئات الهشة بقرار من البنك الدولي، الذي اشترط تقديم القروض بالتخلي عن “صندوق المقاصة” وهو صندوق يقدم الدعم للأسعار بهدف حماية القدرة الشرائية.
إذن من يحكم نظام المخزن المغربي هو دايفد مالباس، مدير البنك الدولي، الذي لم يعد يوجه تعليماته للحكومة المغربية فحسب، بل حتى للنقابات والباترونا في المغرب، بما يخدم حساباته من أجل استرجاع قروضه. ثم ماذا يعني توقف البنك الدولي عن منح القروض للمغرب؟ سيفلس، وحينها ستتحول المغرب إلى بؤرة لعدم الاستقرار الأمني والاجتماعي، وعلى السلطات الجزائرية التحسّب لهذا من الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى