سياسة

الصلح بين السعوديه وإيران هل آن أوانه وهل محمد بن سلمان فهم الدرس

رئيس تحرير اليوم السابع المغربية:

يشكل الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، بوساطة الصين، على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتي البلدين خلال شهرين، تطورًا بالغ الأهمية وإنجازًا سياسيًا كبيرًا، إقليميًا ودوليًا، وخطوة مهمة في طريق تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي سيكون لها ما بعدها. كما يحمل هذا الإعلان في طياته العديد من المؤشرات المهمة، سواء لجهة التأكيد على التوجه العام السائد حاليًا في منطقة الشرق الأوسط والمتمثل في سياسات “تصفير المشاكل” والذي بات المحرك الأساسي في طبيعة العلاقات بين الدول الإقليمية المركزية، أو لجهة دلالته بالنسبة للدور المتصاعد للصين في العلاقات الدولية بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بصورة خاصة، وتخليها عن سياستها الحيادية إلى التدخل الإيجابي في حل النزاعات والخلافات الإقليمية والدولية، إضافة إلى ما يمثله هذا الاتفاق من دلالة، مهمة على طبيعة التحول والتغيير الحاصل في سياسات وتوجهات الحكومتين السعودية والإيرانية، وإداركهما أنه لا يمكن أن يستمرا في حالة تنافس وعداء، وأن التهدئة والحوار هما السبيل الأنفع لهما، ولكل كل دول المنطقة بلا استثناء.

أن المملكة العربيّة السعوديّة، ومن خِلال طبْخ هذا الاتّفاق على نارٍ هادئة، وسط تكتّمٍ شديد، باللّجوء إلى الحِوار، أوقفت نزيفًا ماليًّا عسكريًّا في حُروبٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة مع إيران، وتوفير مِئات المِليارات من الدّولارات، سيتم توظيفها في تعزيز قُوّتها، وتمويل مشاريعها المُستقبليّة التي تُريد أن تتحوّل من خلالها إلى قُوّةٍ ماليّة واقتصاديّة، وربّما عسكريّة ضخمة لاحقًا تستند إلى التّصنيع والاكتِفاء الذّاتي وتعدّد مصادر الدّخل وتقليص الاعتِماد على البترول وحده.

ومع ان إسرائيل” وطِوال السّنوات العِشرين الماضية، كانت، ولا تزال، تعيش “هَوَسًا” اسمه إيران، وتحشد كُل قُدراتها وعلاقاتها ولوبيّاتها اليهوديّة من أجل مُحاربتها، وإضعافها، وتشكيل حائط صدٍّ لها في الدّول العربيّة للأسف، ووضع الخطط لشن عُدوان عليها لتدمير برامجها النوويّة، ولكنّ النّتائج جاءت عكسيّةً تمامًا، فها هي إيران تُعيد علاقاتها مع السعوديّة، خصمها المُفتَرض، وتُوقّع اتّفاقًا تاريخيًّا يُعيد تفعيل التّعاون الأمني بين البلدين ما يفتح المجال أمامها للمُضِيّ قُدُمًا في تخصيب اليورانيوم بنسب تزيد عن 90 بالمِئة وبِما يُؤهّلها لإنتاجِ قنابلٍ نوويّة.
لا نستبعد مُطلقًا أن تكون المملكة العربيّة السعوديّة، وبعد هذا الاتّفاق، المُستفيد الأكبر من الخُبرات النوويّة الإيرانيّة، والعسكريّة التقليديّة، فلا تُوجد هُناك أيّ موانع، إذا صدقت النّوايا، ونعتقد أنها صادقة، لتعاونٍ إيرانيّ سعوديّ في مجالات البرامج النوويّة، والتّصنيع العسكري، خاصّةً أن إيران مُتقدّمة جدًّا في إنتاج الصّواريخ الدّقيقة، والأسرع من الصّوت، والمُسيّرات والغوّاصات، فإيران، وعلى عكس الباكستان تملك قرارًا مُستقلًّا، ولا تخضع للهيمنة الأمريكيّة وإملاءاتها وقُيودها.

وكان الدور الصيني في الاتفاق السعودي – الإيراني.. الدوافع والدلالات:

يسلط اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، الذي تم برعاية ووساطة صينية، المزيد من الضوء على الدور المتنامي لبكين في منطقة الشرق الأوسط، حيث استضافت بكين مفاوضات مكثفة بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي، مساعد بن محمد العيبان، بين يومي 6 و10 مارس، تمخضت عن الإعلان عن اتفاق بين البلدين باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد قطيعة دامت 7 سنوات على أثر إعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران في يناير عام 2016، بعد الاعتداء على سفارتها وقنصليتها في إيران [6].

وقد تزامن الإعلان عن الاتفاق مع إعادة انتخاب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بالإجماع لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات رئيسًا لجمهورية الصين الشعبية ورئيسًا للجنة العسكرية المركزية لجمهورية الصين الشعبية؛ ما يجعل الاتفاق كأنه إعلان عن الدور الجديد التي ستلعبه الصين كفاعل رئيسي في رسم شكل النظام العالمي الجديد[7]. وقبل الإعلان عن الاتفاق بثلاثة أيام فقط قال تشين قانغ، وزير الخارجية الصيني، “إن الصين ستعمل على بناء شراكات واسعة النطاق والدفع بنوع جديد من العلاقات الدولية”[8].

وتسعى الصين لتلك اللحظة منذ وصول شي جين بينغ لسدة السلطة في الصين عام 2013. فبينما كان يشرح رؤية الصين للعلاقات الدولية، في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، دعا الرئيس الصيني إلى بناء مجتمع دولي ذي مستقبل مشترك للبشرية، يهتم فيه الجميع بأمور بعضهم البعض. وفي عام 2022، طرح شي جين بينغ “مبادرة الأمن العالمي”، التي تدعو إلى إيجاد طريق جديد للأمن يكرّس الحوار والشراكة والكسب المشترك بدلًا من المواجهة والتحالف واللعبة الصفرية. وفي السابع من مارس من هذا العام صرح وزير الخارجية الصيني تشين قانغ بأن الصين ستعمل على تعزيز وجود ديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية، وجعل الحوكمة العالمية أكثر عدلًا وإنصافًا. وأضاف أن الصين ستقدم رؤى وحلولًا صينية أكثر وأفضل للمساعدة في مواجهة التحديات المشتركة للبشرية. وفي اليوم نفسه أصدرت وزارة الخارجية الصينية “ورقة مفاهيم بشأن مبادرة الأمن العالمي” تشرح فيها المفاهيم والمبادئ الجوهرية لمبادرتها للأمن العالمي، والتي تقوم بالأساس على تفعيل دور الأمم المتحدة، وتسهيل التسويات السلمية للقضايا الساخنة من خلال الحوار وتعزيز حوكمة الأمن العالمي[9].

كما تصرح الصين من حين لآخر بأنه لا يمكن الوصول إلى الأمن العالمي دون تحقيق الأمن في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق طرحت الصين مبادرة من خمس نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط: 1. الدعوة إلى الاحترام المتبادل. 2. الالتزام بالإنصاف والعدالة. 3. تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية. 4. العمل سويًّا على تحقيق الأمن الجماعي. 5. تسريع وتيرة التنمية والتعاون. كما تعلن الصين بأنها تدعم الزخم الإيجابي والجهود التي تبذلها دول الشرق الأوسط لتعزيز الحوار وتحسين العلاقات، وتدعو إلى استيعاب الشواغل الأمنية المعقولة لجميع الأطراف، وتعزيز القوى المحلية لحماية الأمن الإقليمي، وتدعم دور جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى البنَّاء في هذا الصدد. كما أن الصين أعلنت في أكثر من مناسبة أنها تلتزم بتطوير علاقاتها مع الدول العربية بناء على المبادئ التالية: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، واحترام خيار شعوب الدول العربية، ودعم جھود الدول العربية في استكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية بإرادتها المستقلة[10].

ومن منظور أميركي، وإن تغلغلت الصين في الاقتصاد العالمي في قارّات وبلدان، منها حليفة لأميركا، إلا أن واشنطن كانت تعتقد أنها تُمسك بخيوط الدبلوماسية في المنطقة، خصوصا وأن من أهم مرتكزاتها توسيع التطبيع التحالفي بين إسرائيل والدول العربية، خاصة في الخليج، تحت شعار حماية دول الخليج من التهديد الإيراني، فواشنطن تحتاج، إعلاميا وسياسيا، إنهاء العداء العربي لإسرائيل، وتثبيت الأخيرة صديقا وحليفا للعرب ضد “الغول الإيراني”.

نشطت، في الآونة الأخيرة، كل مراكز الحكم الإسرائيلية، وبالطبع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، في التركيز على الخطر النووي الإيراني، بشكل لافتٍ ومُرَكّز، هدفت في جزء منه إلى تخويف دول الخليج، وفي الوقت نفسه، إلى لفت الأنظار عن تصاعد المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، إضافة إلى أن من غير المسموح أصلا، في العرف الإسرائيلي – الأميركي، أن تمتلك دولة في المنطقة مفاعلات نووية مهمة، باستثناء إسرائيل.

لكن تظل العقبة الأكبر لتطوير العلاقات بين إيران والسعودية هي مدى سماح الولايات المتحدة بوجود وفاق بين السعودية وايران، قبل خضوع إيران لشروطها للتصالح معها، ومصير صفقات السلاح الأمريكية للدول الخليجية التي كانت تتم بدعوى الحماية من الخطر الإيراني، ومصير السعي لإحلال إيران مكان إسرائيل كعدو أول لدول المنطقة، وما يعقبه من سرعة إقامة علاقات سياسية وتجارية بين باقي الدول العربية وإسرائيل، ومدى سماح الولايات المتحدة بتعزيز النفوذ الصيني في المنطقة في حالة نجاح الصلح بين السعودية وإيران.

لذا يحتاج الأمر لبعض الوقت حتى يمكن الحكم على نجاح الصلح بين البلدين، من خلال مدى التنسيق بين البلدين داخل أوبك وأوبك بلس في الشهور المقبلة، ومدى نجاح المفاوضات السعودية مع الحوثيين لحل المشكلة اليمنية، ومدى الوفاق بين الأطراف اللبنانية للاتفاق عل اختيار رئيس جديد للبلاد، وإمكانية عودة سوريا للجامعة العربية، ومدى التهدئة بين النظام الحاكم في البحرين وبين الشيعة هناك، وهو ما يشير من ناحية أخرى إلى مدى التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يحدث في المنطقة، في حالة نجاح الصلح بين البلدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى